فصل: (سورة الطور: آية 49).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} الآية: 48:
قال ابن مسعود: حين تقوم من كل مكان تقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك».
وهذا فيه بعد، فإن قوله حين تقوم، لا يدل على التسبيح بعد التكبير، فإن التكبير هو الذي يكون بعد القيام، والتسبيح يكون وراء ذلك، فدل أن المراد به حين تقوم من كل مكان فتقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك». اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الطور:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{وَالطُّورِ} (1) هو الجبل في كلام العرب.
{وَكِتابٍ مَسْطُورٍ} (2) أي مكتوب وقال رؤبة:
إنى وأيات سطرن سطرا

{فِي رَقٍّ} (3) أي في ورق..
{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} (4) الكثير الغاشية..
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (6) بعضه في بعض من الماء قال النّمر بن تولب:
إذا شاء طالع مسجورة ** ترى حولها النّبع والسّاسما

سقتها رواعد من صيّف ** وإن من خريف فلن يعدما

{يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا} (9) أي تكفأ قال الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ** مور السحابة لا ريث ولا عجل

وهو أن ترهيأ في مشيتها أي تكفّأ كما ترهيأ النخلة العيدانة..
{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} (11) الخوض الفتنة والاختلاط..
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ} (12) أي يدفعون، يقال: دعت في قفاه أي دفعت وفى آية أخرى {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (107/ 2) وقال بعضهم: يدع اليتيم مخففة.
{دَعًّا هذِهِ النَّارُ} (13- 14) مختصر مخرجه: فيقال: هذه النار..
{أَفَسِحْرٌ هذا} (15) ليس باستفهام بل هو توعّد..
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فكهين} (17- 18) لأن نصبت مجازها مجاز الاستغناء فإذا استغنيت أن تخبر ثم جاء خبر بعد فإن شئت رفعت وإن شئت نصبت ومعناها: متفكهين، قال صخر بن عمرو أخو خنساء:
فكه على حين العشاء إذا ** ما الضّيف أقبل مسرعا يسرى

ومن قرأها {فاكهين} فمجازها مجاز، (لابن) و(تامر) أي عنده لبن كثير وتمر كثير..
{وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (20) مجازها: جعلنا ذكران أهل الجنة أزواجا بحور عين من النساء، يقال: للرجل: زوّج هذا الفعل الفرد أي اجعلهما زوجا..
{وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} (21) أي ما نقصناهم ولا حبسنا منه شيئا وفيه ثلاث لغات (ألت يألت) تقديرها: أفل يأفل وألات يليت، تقديرها: أقال يفيل ولات يليت قال رؤبة:
وليلة ذات ندى سريت ** ولم يلتنى عن سراها ليت

{مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (21) مجازها: ما ألتناهم شيئا والعرب تفعل هذا تزيد {من} قال أبو ذؤيب:
جزيتك ضعف الحب لما استثبته ** وما إن جزاك الضعف من أحد قبلى

(58) معناها أحد قبلى لأن {من} لا تنفع ولا تضرّ..
{يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْسًا} (23) يتعاطون أي يتداولون قال الأخطل:
نازعته طيّب الراح الشّمول ** وقد صاح الدّجاج وحانت وقعة الساري

{كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} (24) مصون..
{عَذابَ السَّمُومِ} (27) عذاب النار..
{فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ أَمْ يَقولونَ} (29- 30) مجازها: بل يقولون، وليست بجواب استفهام قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ** غلس الظّلام من الرّباب خيالا

(69) لم يستفهم إنما أوجب أنه رأى بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا} (32) بل تأمرهم أحلامهم بهذا ثم رجع فقال: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} (32).
{أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} (37) أم هم الأرباب ويقال: تصيطرت علىّ اتخذتني خولا..
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} (38) هي السلّم وهو السلّم ومجاز {فيه} به وعليه وفى القرآن:
{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (19/ 23) إنما هو على جذوع النخل.
والسلّم السبب والمرقاة قال الشّيبانىّ:
هم صلبوا العبدى في جذع نخلة ** فلا عطست شيبان إلّا بأجدعا

وقال ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا ** يبنى له في السموات السّلاليم

ويقول الرجل: اتخذتني سلّما لحاجتك أي سببا..
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} (41) فهم يخبرون بما شاءوا ويثبتون ما شاءوا..
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا} (44) أي قطعا وواحد الكسف كسفة مثل سدرة وسدر..
{سَحابٌ مَرْكُومٌ} (44) بعضه على بعض ركام..
{وَإِدْبارَ النُّجُومِ} (49) من كسر الألف جعله مصدرا ومن فتحها جعلها جميع دبر. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الطّور:

.[سورة الطور: آية 32].

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32)}.
قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} [32] وهذه استعارة. أي كانوا حكماء عقلاء كما يدّعون، فكيف تحملهم أحلامهم وعقولهم على أن يرموا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالسّحر والجنون، وقد علموا بعده عنهما، ومباينته لهما؟
وهذا القول منهم سفه وكذب، وهاتان الصفتان منافيتان لأوصاف الحلماء، ومذاهب الحكماء.
ومخرج قوله سبحانه: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا} مخرج التبكيت لهم، والإزراء عليهم. ونظير هذا الكلام قوله سبحانه حاكيا عن قوم شعيب عليه السلام:
{قالوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا} أي دينك وما جئت به من شريعتك التي فيها الصلوات وغيرها من العبادات، تحملك على أمرنا بترك ما يعبد آباؤنا. وقد مضى الكلام على ذلك في موضعه.

.[سورة الطور: آية 49].

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)}.
وقوله سبحانه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ} [49] وقرئ: {وَإِدْبارَ النُّجُومِ} بكسر الهمزة. وهذه استعارة على القراءتين جميعا.
فمن قرأ بفتح الهمزة كان معناه: وأعقاب النجوم. أي أواخرها إذا انصرفت.
كما يقال: جاء فلان في أعقاب القوم. أي في أواخرهم. وتلك صفة تخصّ الحيوان المتصرف الذي يوصف بالمجيء والذّهاب، والإقبال والإدبار. ولكنها استعملت في النجوم على طريق الاتساع. فأمّا قراءة من قرأ: {وَإِدْبارَ النُّجُومِ} بالكسر فمعناه قريب من المعنى الأول. فكأنه سبحانه وصفها بالإدبار بعد الإقبال. والمراد بذلك الأفول بعد الطلوع، والهبوط بعد الصعود. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الطور:
سورة الطور نموذج لطيف لعمل القرآن الكريم في النفس عندما يطلع عليها بالهدى، كما يطلع الصبح على الليل فيمحو ظلامه ويضيء أركانه! كان جبير بن مطعم مشركا قدم المدينة بعد هزيمة بدر التي لحقت بقومه ليفاوض في فكاك الأسرى، ودخل المسلمون المسجد ليصلوا المغرب وراء نبيهم صلى الله عليه وسلم وبقى هو خارج المسجد! واستمع إلى سورة الطور يقرؤها النبي في الصلاة، فتغيرت نفسه واهتز الشرك في ضميره، وأحس كأن الوحي المتلو يسحق بقايا الكفر في نفسه ويكتسحها اكتساحا. قال جبير سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون}. كاد قلبي أن يطير..!! وفى رواية أخرى يقول جبير قدمت المدينة على رسول الله لأكلمه في أسارى بدر. فدفعت إليه وهو يصلى بأصحابه صلاة المغرب فسمعته يقرأ {والطور} إلى {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع}، فكأنما صدع قلبي.. فأسلمت خوفا من نزول العذاب! وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب. لقد ترك الرجل أوثانه ونجا. وما أكثر الذين أخرجهم القرآن من الظلمات إلى النور! والقرابة قائمة بين الوحي القديم والوحي الجديد، فمن جانب الطور نودى موسى ليحمل عبء الحرب على الفراعنة، ومن جانب البيت المعمور نودي محمد ليرسى دعائم التوحيد، ويقيم الدين على الحقائق لا على الأوهام. ويبدو أن الرق المنشور صحائف موسى، وأن البحر المسجور هو البحر الأحمر حيث أغرق فرعون وقضت اللجح على ألوهية مزورة وهذا رأى العلامة ابن عاشور. وقد تذكر في تفسير هذه الأقسام التي بدأت بها السورة أقوال أخرى لا نقف عندها. والذي نريد توكيده أن موسى أخذ التوراة دينا ودولة، كما أخذ نبينا القرآن دينا ودولة.
أما عيسى فإن إنجيله جاء على هامش التوراة، ومنطلقا منها مع بعض تخفيفات محدودة.. ومهما يكن من شيء، فإن القرآن تضمن الصيغة الأخيرة للعقيدة والشريعة، وشطر فيه الوحي الباقي إلى آخر الدهر، وهو الوثيقة الفريدة للوحي الذي تلقاه الأنبياء الأوائل. وقد أكدت سورة الطور الوعيد لأعداء الوحي، وهم أهل لمستقبلهم المظلم.. أما المتقون، فلهم غد باسم، ونعيم مقيم، صنعوه بزكاة النفس وطهارة اليد واستقامة النهج.
{قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} وبعدما سبق من وعيد ووعد، جاء في منتصف السورة أمر لرسول الله بالمثابرة على الدعوة، وملازمة التذكير {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}. من أين تأتى الكهانة لدين الفطرة، أو يأتي الجنون لدين العقل؟ إن شرف الإسلام قائم على أنه إنسانية رفيعة تأبى العوج والخطأ والتصنع والشرود! ولذلك جاء بعد ذلك خمسة عشر استفهاما متعاقبات كأنها خمس عشرة صدمة كهربائية تنقل المرء من حال إلى حال، وترغمه على التفكير في الحال والمآل:
1- {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين}. ليس محمد شاعرا {وما علمناه الشعر وما ينبغي له}. وكتابه مشحون بالحقائق لا بالخيالات {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل}.
2- {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} إن ذوى العقول يترفعون عن اختلاق هذه التهم.
3- {أم هم قوم طاغون} الطغيان هو الباعث الأول على التكذيب.
4- {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} لو كان القرآن كلام بشر فما يمنع البشر من الإتيان بمثله؟
5 – {أم خلقوا من غير شيء}. إن الصفر لا يوجد شيئا.
6- {أم هم الخالقون}؟ إن الإنسان مخلوق مربوب. وهو لا يخلق شيئا.
7- {أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}. لقد وجدنا في عالم ممهد لنا لم نصنع من ذراته ولا مجراته شيئا.
8- {أم عندهم خزائن ربك} أغلب الكافرين يتساءلون لماذا اختير الأنبياء من بيننا؟ ولماذا لم يقع الاختيار علينا؟
9- {أم هم المسيطرون} إذا كانت لهم سطوة فليجربوا حظهم، {إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه}.
10- {أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين}. إن تيسر لهم وحى فليجيئوا به، وهيهات.
11- {أم له البنات ولكم البنون} إن مشركي مكة يستكبرون أن تكون لهم بنات، ومع ذلك يقولون إن لله بنات!
12- {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون}. إن الأنبياء لا يسألون الناس شيئا ولا يطلبون منهم دنيا. ص- {أم عندهم الغيب فهم يكتبون}. ليس لدى الكفار علم من غيب أو شهادة.
14- {أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون}. قد يطول الصراع بين الحق والباطل ولكن العاقبة للمتقين.
15- {أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون}. ماعدا الله باطل. وبعد هذه الأسئلة قال الله تعالى: {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم} أي إنهم أهل عناد ومكابرة، لا يغنون للحق وأدلته أبدا. ولذلك قيل للرسول تربص بهم أياما يذلون فيها للحق، ويعرون فيها من أسباب القوة، واشتغل أنت بالعبادة والجهاد {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الطور:
أقول: وجه وضعها بعد الذاريات: تشابههما في المطلع والمقطع، فإِن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين بقوله: {إِنَّ المُتَقينَ في جناتٍ} وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار، بقوله في تلك: {فويلٌ للَذينَ كفروا} وفي هذه: {فالذينَ كَفَروا}. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 8):

قوله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي: